كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام الشنتريني
صفحة 1 من اصل 1
كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام الشنتريني
لئن لم يجرِ ابن بسام الشنتريني (460 - 542هـ / 1067 - 1147م)، في ميدان الشعر طويلًا، فإنه قد عوّض عن ذلك بانكبابه على شعر أهل الأندلس يجمعه دواوين ومختارات، وقد عُدَّ الأثر الباقي له "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" أهم آثاره. وبه يحتل ابن بسام مكانًا بارزًا في الأدب العربي أديبًا ومؤرخًا.
أهمية كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة:
كتابٌ "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" ألفه أبو الحسن علي بن بسَّام الشنتريني، من أعلام الكُتَّاب والنقاد الأندلسيين في القرنين الخامس والسادس الهجريين. ولد بجزيرة شنترين، وإليها نسب، في أسرة ميسورة الحال، عنيت بتربيته وتعليمه وإعداده لمستقبل زاهر. أظهر ابن بسام قدرًا من الموهبة الأدبية منذ الصغر، وبدأ يكتب الشعر والنثر فلفت الأنظار إليه.
كتابٌ "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" ألفه أبو الحسن علي بن بسَّام الشنتريني، من أعلام الكُتَّاب والنقاد الأندلسيين في القرنين الخامس والسادس الهجريين. ولد بجزيرة شنترين، وإليها نسب، في أسرة ميسورة الحال، عنيت بتربيته وتعليمه وإعداده لمستقبل زاهر. أظهر ابن بسام قدرًا من الموهبة الأدبية منذ الصغر، وبدأ يكتب الشعر والنثر فلفت الأنظار إليه.
وكتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة مصدر على جانب كبير من الأهمية للباحث في تاريخ الأندلس وأدبها في فترةملوك الطوائف التي تلت نهاية خلافة قرطبة الأموية القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي.
أما أهمية الكتاب التاريخية فترجع إلى احتفاظه بفقرات مطولة من كتاب "المتين" لشيخ مؤرخي الأندلس أبي مروان بن حيان (ت 469هـ / 1076م)، وهو التاريخ الذي لم يصلنا، وفيه تناول ابن حيان -بأسلوبه البليغ وصدقه وصراحته المعهودتين- تاريخ الأندلس على عهد ملوك الطوائف. إن هذه الفقرات التي أوردها ابن بسام في كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة هي كل ما وصلنا من كتاب "المتين"، وأضاف إليها ابن بسام تأريخه هو للثلث الأخير من القرن الحادي عشر بعد وفاة ابن حيان.
وأما من الناحية الأدبية، فإن ابن بسام يعرض لنا بأسلوب بديع مرسل -من دون إغراق في السجع كبعض معاصريه- نماذج ومقتطفات من شعر دفتر أعلام الأدباء في تلك الفترة التي شهد جانبًا منها، او استقى أخبارها من مصادر قريبة العهد بها.
ويتجلى في الذخيرة علم ابن بسام وإلمامه بتاريخ العرب وتمثّله وحفظه أشعارهم وأمثالهم. وقد قدم لأقسام الكتاب بتمهيد تاريخي ذكر فيه أنه كفاه مؤونته مؤرخ قرطبة ابن حيان، كما اعتمد تاريخًا منظومًا للأندلس لأبي طالب عبد الجبار المتيني من جزيرة شَقَر، وقد عاش هذا المؤرخ في حدود سنة 520هـ، وبعد هذا التمهيد بدأ تراجم الأعلام فذكر اسم المترجم له ولقبه ونسبه وبلده وبعضًا من شعره ونثره.
وقد خالف ابن بسّام كتب التراجم، فكان ينتقل من الجدّ إلى الهزل لتنشيط القارئ، كما أدخل كتابه في حيز الدراسات النقدية والبلاغية، وهي ميزة تضاف إلى ميزات الكتاب، فكان يورد آراء النقاد والأدباء، ويدلي بدلوه في ذلك بآراء وأحكام تدلّ على سعة اطّلاعه على بلاغات العرب السابقين والتفطّن إلى ما ينطوي عليه الكلام من نوادر الأدب والأدباء في عصره، وقد سجّلها في نثر شديد الشبه بنثر الثعالبي في "يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر".
وقد توفي ابن بسام الشنتريني (سنة 542هـ/ 1147م)، بعد أن قدم سفْرًا أصيلًا وجهود سنين مضنية في المعرفة والبحث، ولولاه لظل الكثير من روائع الأدب الأندلسي محجوبًا عن الباحثين والدارسين. وحقا ما ذهب إليه الدكتور شوقي ضيف في تقرير أهمية الذخيرة، ودورها في التعريف بالأدب الأندلسي حيث يقول: "لولا الذخيرة لظل الأدب الأندلسي بروائعه الباهرة شعرا ونثرا، محجوبا عن الباحثين، ولما استطاع أحد أن يكتب تاريخه".
لماذا ألف ابن بسام الذخيرة؟:
إن ما دفع ابن بسام الشنتريني إلى تصنيف كتابه هو الرغبة في التعريف بأهل الأدب الأندلسيين، إذ أنه رأى الناس يغمطون قدرهم، وغيرته على نتاج أهل وطنه من شعر ونثر، ورغبته بالتالي في حجم هذا النتاج، خصوصًا أنه لاحظ تعلق أهل الأندلس بكل ما هو مشرقي في هذا الباب، "حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا على هذا ضمًا، وتلوا ذلك كتابًا محكمًا. وأخبارهم أهل الأندلس الباهرة وأشعارهم السائرة مرمى القصية ومناخ الرذية، فغاظني منهم ذلك، وأنفت مما هنالك، وأخذت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري، وتتبع محاسن أهل بلدي وعصري، غيرة لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره أهلة، وتمج بحاره ثمادًا مضمحلة، مع كثرة أدبائه ووفور علمائه".
إن ما دفع ابن بسام الشنتريني إلى تصنيف كتابه هو الرغبة في التعريف بأهل الأدب الأندلسيين، إذ أنه رأى الناس يغمطون قدرهم، وغيرته على نتاج أهل وطنه من شعر ونثر، ورغبته بالتالي في حجم هذا النتاج، خصوصًا أنه لاحظ تعلق أهل الأندلس بكل ما هو مشرقي في هذا الباب، "حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا على هذا ضمًا، وتلوا ذلك كتابًا محكمًا. وأخبارهم أهل الأندلس الباهرة وأشعارهم السائرة مرمى القصية ومناخ الرذية، فغاظني منهم ذلك، وأنفت مما هنالك، وأخذت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري، وتتبع محاسن أهل بلدي وعصري، غيرة لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره أهلة، وتمج بحاره ثمادًا مضمحلة، مع كثرة أدبائه ووفور علمائه".
وابن بسام شديد الإعجاب بإنتاج بني بلده على رغم "كونهم بهذا الإقليم، ومصاقبتهم لطوائف الروم، وعلى أن بلادهم آخر الفتوح الإسلامية، وأقصى خطى المآثر العربية، ليس وراءهم إلا البحر المحيط، والروم والقوط".
وفي كتاب "الذخيرة" يحذو ابن بسام حذو أبي منصور الثعالبي المتوفي سنة 429هـ/ 1038م في كتابه "يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر"، إلا أنه إمعانًا في الفائدة يورد الخلفية التاريخية لأخباره ومنتخباته "فإني رأيت أكثر ما ذكر الثعالبي من ذلك في "يتيمته" محذوفًا من أخبار قائليه، مبتورًا من الأسباب التي وصلت به وقيلت فيه، فأملّ قاريء كتابه منحاه، وأحوجه إلى طلب ما أغفله من ذلك في سواه" [1].
موضوع كتاب الذخيرة:
واقتصر ابن بسام الشنتريني في كتابه على أعلام القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي ذلك لأن أعلام الدولتين المروانية والعامرية تناولهم ابن فرج الجياني في "كتاب الحدائق". فهو يقول: "فأضربت عما ألف، ولم أعرض لشيء مما صنّف، ولا تعديت أهل عصري، مما شاهدته بعمري أو لحقه بعض أهل دهري، إذ كل مردد ثقيل، وكل متكرر مملول".
واقتصر ابن بسام الشنتريني في كتابه على أعلام القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي ذلك لأن أعلام الدولتين المروانية والعامرية تناولهم ابن فرج الجياني في "كتاب الحدائق". فهو يقول: "فأضربت عما ألف، ولم أعرض لشيء مما صنّف، ولا تعديت أهل عصري، مما شاهدته بعمري أو لحقه بعض أهل دهري، إذ كل مردد ثقيل، وكل متكرر مملول".
وعانى ابن بسام كثيرًا في جمع مادته، إذ "إن عامة من ذكرته في هذا الديوان لم أجد له أخبارًا موضوعة، ولا أشعارًا مجموعة، تفسح لي في طريق الاختيار منها"، ثم إنه تولى المهمة في ظروف شخصية صعبة إثر نزوحه عن مسقط رأسه شنترين شمالي لشبونة بنحو 80 كلم قبيل استيلاء الروم عليها سنة 486هـ/ 1093م، وقد تقدمت به السن. كما أن جمْع المادة تَطَلَّب منه الرجوع إلى مصادر متفرقة كان يعوزها الوضوح والبيان والدقة، فهو يقول: "فإنما جمعته بين صعب قد ذل، وغرب قد فل، ونشاط قد قل، وشباب ودع فاستقل، من تفاريق كالقرون الخالية، وتعاليق كالاطلال البالية، بخط جهال كخطوط الراح، أو مدارج النمل بين مهاب الرياح. فضبطهم تصحيف، ووضعهم تبديل وتحريف، أيأس الناس منها طالبها، وأشدهم استرابة بها كاتبها، ففتحت أنا أقفالها، وفضضت قيودها وأغلالها، فأصبت غايات تبيين وبيان، ووضحت آيات حسن وإحسان".
ويمضي ابن بسام في مقدمة "الذخيرة" فيقول: "واعتمدت المئة الخامسة من الهجرة، فشرحت بعض محنها، وجلوت وجوه فتنها، وأحصيت علل استيلاء طوائف الروم على هذا الإقليم الأندلس، وألمحت بالأسباب التي دعت ملوكها إلى خلعهم، واجتثاث أصلهم وفرعهم. وعولت في معظم ذلك على تاريخ أبي مروان بن حيان" [2].
أقسام كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة:
وقسم ابن بسام كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة أربعة أقسام:
وقسم ابن بسام كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة أربعة أقسام:
القسم الأول: واختص به "أهل حضرة قرطبة وما يصاقبها من بلاد موسطة الأندلس"، وقد ترجم في هذا القسم لعدد كبير من أدباء الإقليم، بلغ عددهم أربعة وثلاثين شاعرا وأديبا وسياسيا ومؤرخا، أظهرهم: ابن دراج القسطلي، وابن حزم، وابن شهيد، وابن زيدون، وولادة بنت المستكفي، وعبادة بن ماء السماء، وابن حيان وغيرهم.
القسم الثاني: وجعله لأهل الجانب الغربي من الأندلس "وذكر أهل حضرة أشبيلية وما اتصل بها من بلاد ساحل البحر المحيط الرومي"، وعرف فيه بستة وأربعين من الرؤساء وأعيان الكتاب، أوضحهم: القاضي أبو الوليد الباجي، وابن القصيرة، وابن وهبون، وابن عبدون، وابن قزمان، وابن عمار ومقتله، وابن القبطورنة وغيرهم.
القسم الثالث: وذكر فيه أهل الجانب الشرقي من الأندلس، ومن نجم من كواكب العصر في أفق ذلك الثغر الأعلى، إلى منتهى كلمة الإسلام هناك، وعرف بعدد من الرؤساء وأعيان الكتاب وطوائف الشعراء، بينهم، ابن حسداي، وابن خفاجة، وابن اللبانة، وابن أبي الخصال، وغيرهم.
القسم الرابع: وأفرده "لمن طرأ على هذه الجزيرة من أديب شاعر، وأوى إلى ظلها من كاتب ماهر، واتسع فيها مجاله، وحفظت في ملوكها أقواله، وألحق بهم طائفة من مشهوري أهل تلك الآفاق، ممن نجم في عصره بأفريقية والشام والعراق". وقد أثبت في آخر هذا القسم طرفا من كلام أهل المشرق، وإن كانوا لم يطرأوا على هذا الأفق، حذو أبي منصور الثعالبي، فإنه ذكر في يتيمته نفرا من أهل الأندلس، فعارضه أو ناقضه. وتضم تراجم هذا القسم اثنين وثلاثين شخصا، أولهم أبو العلاء صاعد البغدادي وابن حمديس الصقلي، وابن القابل البستي، ومن المشارقة : الشريف الرضي، ومهيار الديلمي، والثعالبي، وأبو إسحاق الحصري، وابن رشيق القيرواني، وغيرهم. ويعلن ابن بسام أنه إنما ذكر أدباء هذا القسم الأخير تقليدا واقتداءا بالثعالبي في اليتيمة.
منهج ابن بسام في كتاب الذخيرة:
أما المنهج الذي انتهجه ابن بسام في كتاب الذخيرة فهو إيراد توطئة تاريخية يتبعها بمن يترجم لهم من الرؤساء والكتّاب والوزراء والشعراء، على هذا الترتيب. وهو يبدأ عادة بترجمة العلم المراد في نثر بديع مسجوع، ويورد مقتطفات من شعره أو نثره، وهو يُكثر من المقارنة بين شعر معاصريه وبين شعر القدامى، ويشير إلى المواضع التي قلدوا القدامى فيها.
أما المنهج الذي انتهجه ابن بسام في كتاب الذخيرة فهو إيراد توطئة تاريخية يتبعها بمن يترجم لهم من الرؤساء والكتّاب والوزراء والشعراء، على هذا الترتيب. وهو يبدأ عادة بترجمة العلم المراد في نثر بديع مسجوع، ويورد مقتطفات من شعره أو نثره، وهو يُكثر من المقارنة بين شعر معاصريه وبين شعر القدامى، ويشير إلى المواضع التي قلدوا القدامى فيها.
ويقتبس ابن سعيد عن الحجاري صاحب "المسهب" قوله في ابن بسام: "العجب أنه لم يكن في حساب الآداب الأندلسية أنه سيبعث من شنترين، قاصية الغرب، ومحل الطعن والضرب، من ينظمها قلائد في جيد الدهر، ويطلعها ضرائر للأنجم الزهر. ولم ينشأ بحضرة قرطبة ولا بحضرة اشبيلية ولا غيرهما من الحواضر العظام من يمتعض امتعاضه لاعلام عصره، ويجهد في جمع حسنات نظمه ونثره. وسل الذخيرة فإنها تعنون عن محاسنه الغزيرة، ومن نثره في كتاب الذخيرة ما يدل على طبقته" [3].
ويذكر ابن بسام من منهجه في الذخيرة ما يتصل بعملية الاختيار بنماذج الإبداع التي يودعها ذخيرته، يقول ابن بسام: "وتخيرت في الجملة حر النظام، وتخيرت جيد الكلام، وجردت جملة الفصول والأقسام، وإذا مر معنى غريب، وتعلق به خبر مشهور، وأمكنني فيه شعر كثير، مددت إطنابه، ووصلت أسبابه، وقد أذكر الشاعر الخامل، وينشد الشعر النازل، لأرب يتعلق به، أو الخبر يذكر بسببه، وقد أذكر الرجل لنباهة ذكره لا لجودة شعره، ويقدم الآخر لاشتهار إحسانه، مع تأخر زمانه" [4].
ولم يرتب تراجمه على حسب السنين إلا في الجزء الخاص ببطليوس وما يصاقبها، وإنما رتبها على حسب مكانة المترجم له كما رآها، وهو يبدأ عادة بترجمة العلم المراد، شاعرا أو كاتبا أو سياسيا، مرسله في نثر بديع مسجوع، ثم يذكر مؤلفاته، ويطري مواهبه الأدبية، ويورد مقتطفات من شعره ونثره، وفي الترتيب بين أصحاب بين أصحاب الفنون يبدأ بذكر الكتاب. يقول ابن بسام: "وبدأت بذكر الكتاب، إذ هم صدور في أهل الآداب، إلا أن يكون له حظ من الرياسة، أو يدعو إلى تقديمه بعض السياسة، فأول من ذكرت من أهل قرطبة؛ من كان بها من ملوك قريش، في المدة المؤرخة من أهل هذا الشأن، ثم من تعلق بسلطانهم، أو دخل في شئ من شأنهم، وتلوتهم بالكتاب والوزراء، ثم بأعيان الشعراء، ثم بطوائف من المقلين منهم، وكذلك فعلت في كل قسم، فبدأت بالملوك ثم استمر على ما وصفته من التركيب" [5].
وقصر مؤلفه على أهل زمانه، من منتصف القرن الحادي عشر الميلادي إلى منتصف القرن الثاني عشر الميلاديين، فقد حرص ابن بسام في الذخيرة على الترجمة لأدباء الأندلس في عصر ملوك الطوائف، وأوائل عصر المرابطين ترجمات ضافية ومفصلة، تعتمد على سرد جوانب كثيرة من إبداعاتهم الشعرية والنثرية، ويذكر ابن بسام أنه لم يفسح في ذخيرته مكانا لأدباء الدولة المروانية، ولا للمدائح العامرية، وذلك لأن أحد أدباء الأندلس في العصر المرواني، وهو ابن فرج الجياني وضع كتاب (الحدائق)، الذى ألفه للحكم المستنصر عارضا أطرافا من محاسن أهل زمانه، وقد ألفه معارضا كتاب (الزهرة) لابن داوود الأصبهاني، وقد هدف ابن بسام من ذلك إلى عدم تكرير ما سبق إليه الجياني وغيره، وأن يترجم لعدد من الأدباء في عصره هو. فلم يعرض لأحد ممن ذكره، ولم يتعد أهل عصره ممن شاهده بنفسه، أو لحقه بعض أهل دهره، لأن كل مردد ثقيل، وكل متكرر مملول [6].
وهو يخرج على قاعدة الفضل للمتقدم، وكانت سائدة في عصره وما قبل عصره، فيرى " أن الإحسان غير محصور، وليس الفضل على زمن بمقصور، ويكره للفضل أن ينكر تقدم به الزمن أو تأخر، ولو اقتصر المتأخرون على كتب المتقدمين لضاع علم كثير وذهب أدب غزير"، وهى قاعدة في النقد الأدبي ليست له، ويبدو أنه نقلها عن القاضي على بن عبد العزيز الجرجاني ( ت 392هـ / 1001م) صاحب كتاب "الوساطة بين المتنبي وخصومه"، فقد كان ابن بسام معجبا بالمتنبي، حفيا بشعره، يكثر الاستشهاد به، وكان الجرجاني أول من أنصف المحدثين دون أن يتحيف الأقدمين حقهم، عالما بصيرا في دراسته للموضوع وتحليل أسبابه، فهو يرد الإعجاب بالقدامى إلى "الكلف بنصرة ما سبق إليه الاعتقاد، وألفته النفس"، على حين قنع ابن بسام من القضية بإنكارها في جمل إنشائية بلاغية.
وبين مذهبه في طريقة إيراد النصوص وعرضها، وأنه أراد بديوانه "أن يكون بستان منظوم ومنثور، لا ميدان بيان وتفسير، يورد الأخبار والأشعار لا يفك معماها في شئ من لفظها أو معناها" . ولكنه إذا ظفر بمعنى حسن، أو وقف على لفظ مستحسن، ذكر من سبق إليه، وأشار إلى من نقص عنه أو زاد عليه.
ويمكن إيجاز منهج ابن بسام على نحو ما ذكرنا، كالتالي:
1) رتب التراجم على حسب مكانة المترجم له كما يراها، ولم يرتبها على حسب السنين إلا في الجزء الخاص بمدينةبطليوس وما يجاورها.
2) يبدأ عادة الترجمة في نثر مسجوع، ثم يذكر مؤلفات المترجم له، ويمدح مواهبه الأديبة ويورد مقتطفات من شعره ونثره
3) وقد أورد فهرسًا مفصلًا في أول الكتاب عن أقسامه الأربعة، ومحتوى كل قسم منها وما ترجم لهم من الأمراء والكتاب والشعراء.
4) تحدث عن نشأة الموشحات الأندلسية:
ا- وأثنى عليها وترجم لأهم شعرائها.
ب- أكد أن الأندلس موطنها وأن أهل الأندلس هم الذين وضعوا أسسها.
ج- أكدأن لها أوزانا كثيرةاستخدموها في الغزل المؤثر في القلوب
د- أكد أن أهل المشرق قد قلدوهم فيها.
ه- اقتصر ابن بسام في تأليف كتابه على أهل زمانه من منتصف القرن الحادي عشر الميلادي إلى منتصف القرن الثاني عشر الميلاديين.
و- يورد من النصوص ما يرتضيه أو ما يخدم فكرة معينة يهدف لها، دون أن تسير تراجمه على نمط واحد، فأحيانًا تطول وتمتد إلى ما يقرب من (خمس وعشرين ومائة صفحة) كما في ترجمة ابن شهيد. وقد تتوسط كما في ترجمة (ابن درّاج القسطليّ)، وقد يكتفي بثلاث صفحات كما أخبر عن (ولادة بنت المستكفى).
ز-أشـار لطريقته في إيراد النصوص وعرضها، فقد أراد من كتابه أن يكون "بستان منظوم ومنثور لا ميدان بيان وتفسير". لذلك كان يورد الأخبار والأشعار ولا يفسر شيئًا من لفظها أو معناها إلا إذا وجدفي القصيدة بيتًا غامضا أو تركيبًا معقدًا، فكان يفسره كما كان يذكر أنباء الفتن والوقائع المشهور التي تتعلق بما يذكره من شعر ونثر.
ي- سار على منهج القاضي الجرجاني في كتابه "الوساطة بين المتنبي وخصومه"، حيث أنصف المحدثين ولم يسند الفضل كله للقدماء دون غيرهم، بل إنه أعطى المحدثين حقهم في الفضل، ومع ذلك لم ينقص القدماء حقهم.
المراجع:
- أمين توفيق الطيبي: ابن بسام الشنتريني وكتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، مجلة الحياة الدولية، رقم العدد: 12838، تاريخ النشر: 2/1/1419هـ - 28/4/1998م.
- هناء دويدري: ابن بسام الشنتريني، الموسوعة العربية العالمية.
- صفاء عطا الله: منهج ابن بسام النقدي في كتابه "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة". منتدى دكتور شيماء عطا الله.
الهوامش:
[1] ابن بسام الشنتريني، علي: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، الدار العربية، 1979م، 1/1 ص12، 14، 34.
[2] الذخيرة، 1/1 ص13، 15 – 18.
[3] ابن سعيد: المُغرب في حلى المغرب، القاهرة 1953م، 1/ ص417 - 418.
[4] الذخيرة، 1/1 ص32.
[5] السابق نفسه.
[6] انظر: الدكتور شوقي ضيف: عصر الدول والإمارات، طبعة دار المعارف، ص13.
- أمين توفيق الطيبي: ابن بسام الشنتريني وكتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، مجلة الحياة الدولية، رقم العدد: 12838، تاريخ النشر: 2/1/1419هـ - 28/4/1998م.
- هناء دويدري: ابن بسام الشنتريني، الموسوعة العربية العالمية.
- صفاء عطا الله: منهج ابن بسام النقدي في كتابه "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة". منتدى دكتور شيماء عطا الله.
الهوامش:
[1] ابن بسام الشنتريني، علي: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، الدار العربية، 1979م، 1/1 ص12، 14، 34.
[2] الذخيرة، 1/1 ص13، 15 – 18.
[3] ابن سعيد: المُغرب في حلى المغرب، القاهرة 1953م، 1/ ص417 - 418.
[4] الذخيرة، 1/1 ص32.
[5] السابق نفسه.
[6] انظر: الدكتور شوقي ضيف: عصر الدول والإمارات، طبعة دار المعارف، ص13.
مواضيع مماثلة
» قصيدة لابن الوردي:
» لامية لابن الوردي في الوصايا :
» شرح قطر الندى ووابل الصدى لابن هشام الأنصاري :
» الكافية فى علم النحو والشافية فى علم التصريف والخط لابن الحاجب :
» كتاب الموطأ
» لامية لابن الوردي في الوصايا :
» شرح قطر الندى ووابل الصدى لابن هشام الأنصاري :
» الكافية فى علم النحو والشافية فى علم التصريف والخط لابن الحاجب :
» كتاب الموطأ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى