"ابن الرومي الشاعر المتشائم الذي قتله شعره
صفحة 1 من اصل 1
"ابن الرومي الشاعر المتشائم الذي قتله شعره
" هوعلي ابن العبّاس بن جريح الرومي، ابوالحسن. کان مزيجاً من دم روميّ وفارسيّ.نزح أجداده إلي بغداد عاصمة الدولة العباسية، فأقاموا فيها مع مواليهم بني العباس. مات والده وهوطفل. فعاش حياة قاسية بعد أن نزلت به خطوب فادحة أفقدته الصواب.فزجته في لُجة عميقة من التشاؤم والانغلاق، فعاش حياة مضطربة، وأصبح غريب الأطوار خاضع للوهم والخوف، يتوقع السوء دائماً، فقام الناس بالسخرية منه والابتعاد عنه واضطهاده، ومن جانبه نقم على مجتمعه وحياته فأتجه إلى هجاء كل شخص وكل شيء يضايقه أو يسيء إليه. عاش ابن الرومي حتي خلافة المعتضد، ورُوي أنّه مات مسموماً بتدبير من القاسم بن عبيد الله الوهبي وزير المعتضد، خشية من فلتات لسان الشاعر، فقد کان ظالماً عاتياً وخاف أن يهجوه ابن الرومي فدسِّ له السّم في قطعة حلوي وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلي أين تذهب؟ فقال ابن الرومي: إلي الموضع الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال له: ما طريقي إلي النار. وبمناسبة تتويج بغداد عاصمة الثقافة العربية، الوكالة تقدم هذا التقرير عن الشاعر البغدادي الكبير ابن الرومي.
حياته..كثير من الكوارث والنكبات
ولد إبن الرومي ببغداد عام 221هـ - 836م، وبها نشأ، كان مسلماً موالياً للعباسيين، وقد أخذ ابن الرومي العلم عن محمد بن حبيب، وعكف على نظم الشعر مبكراً، وقد تعرض على مدار حياته للكثير من الكوارث والنكبات والتي توالت عليه غير مانحة إياه فرصة للتفاؤل، فجاءت أشعاره انعكاساً لما مر به، وإذا نظرنا إلى تاريخ المآسي الذي مر به نجد انه ورث عن والده أملاكاً كثيرة أضاع جزء كبير منها بإسرافه ولهوه، أما الجزء الباقي فدمرته الكوارث حيث احترقت ضيعته، وغصبت داره، وأتى الجراد على زرعه، وجاء الموت ليفرط عقد عائلته واحداً تلو الآخر، فبعد وفاة والده، توفيت والدته ثم أخوه الأكبر وخالته، وبعد أن تزوج توفيت زوجته وأولاده الثلاثة. ولعل هذه الأحداث التي ذكرناها سابقاً قد شكلت طبعه وأخلاقه فقد مال إلى التشاؤم والانغلاق، وأصبحت حياته مضطربة، وأصبح هو غريب الأطوار خاضع للوهم والخوف.
ابن الرومي بعيون طه حسين
يعد ابن الرومي من شعراء القرن الثالث الهجري في العصر العباسي. وقد كان مولى لعبد الله بن عيسى، وابن الرومي شاعر كبير من العصر العباسي، من طبقة بشار والمتنبي، شهدت حياته الكثير من المآسي والتي تركت آثارها على قصائده، تنوعت أشعاره بين المدح والهجاء والفخر والرثاء، وكان من الشعراء المتميزين في عصره، وله ديوان شعر مطبوع.
قال عنه طه حسين "نحن نعلم أنه كان سيء الحظ في حياته، ولم يكن محبباً إلى الناس، وإنما كان مبغضاً إليهم، وكان مُحسداً أيضاً، ولم يكن أمره مقصوراً على سوء حظه، بل ربما كان سوء طبيعته، فقد كان حاد المزاج، مضطربه، معتل الطبع، ضعيف الأعصاب، حاد الحس جداً، يكاد يبلغ من ذلك الإسراف".
وقال ابن خلكان في وصفه: "الشاعر المشهور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكانها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقي فيه بقية".
شعره
عاصر ابن الرومي عصور ثمانية من الخلفاء العباسيين، وكان معظمهم يرفضون مديحه
ويردون إليه قصائده، ويمتنعون عن بذل العطايا له، مما قاله في ذلك:
قد بُلينا في دهرنا بملوكٍ أدباءٍ عَلِمْتُهمْ شعراءِ
إن أجدنا في مدحِهم حسدونا فحُرِمنا منهُمْ ثوابَ الثناءِ
أو أسأنا في مَدْحهم أنَّبونا وهَجَوْا شعرَنا أشدَّ هجاءِ
قد أقاموا نفوسَهم لذوي المدْحِ مُقامَ الأندادِ والنظراءِ
تميز ابن الرومي بصدق إحساسه، فأبتعد عن المراءاة والتلفيق، وعمل على مزج الفخر بالمدح، وفي مدحه أكثر من الشكوى والأنين وعمل على مشاركة السامع له في مصائبه، وتذكيره بالألم والموت، كما كان حاد المزاج، ومن أكثر شعراء عصره قدرة على الوصف وابلغهم هجاء، أبحر في دروب الشعر المختلفة، فجاءت أشعاره مبدعة في الحركة والتشخيص والوصف، واعتنى بالموسيقى والقافية.
عرف ابن الرومي بإجادته الكثير من الأشكال الشعرية والتي جاء على رأسها الهجاء، فكان هجاؤه للأفراد قاسي يقدم الشخص الذي يقوم بهجاؤه في صورة كاريكاتورية ساخرة مثيرة للضحك. قال عنه المرزباني "لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه ولذلك قلت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء".
حكمة ابن الرومي
وجاءت حكمة ابن الرومي كنتيجة منطقية لمسيرة حياته، فقال:
عدوُّكَ من صديقك مستفاد فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ فإن الداءَ أكثرَ ماتراهُ يحولُ من الطعام أو الشرابِ . وقال: إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
أبدع ابن الرومي في الرثاء وذلك نظراً لما عاناه في حياته من كثرة الآلام والكوارث التي تعرض لها، وكان رثاؤه الذي قاله في ابنه الأوسط يعبر عن مدى الألم والحزن في نفسه، كما له رثاء في "خراب البصرة"، ومما قاله في رثاء أبنه:
أبُنَيّ إنك والعزاءَ معاً بالأمس لُفَّ عليكما كفنُ فإذا تناولتُ العزاء أبى نَيْلِيه أن قد ضمَّه الجُننُ
أبُنيّ إن أحزنْ عليك فلي في أن فقدتُك ساعةً حزنُ وإن افتقدت الحُزن مفتقِداً لُبِّي لفقدِك للحَرِي القَمِنُ بل لا إخال شجاك تَعْدَمُه روحٌ ألمَّ بها ولا بَدنُ
الهجاء والسخرية في شعر ابن الرومي
وحول الهجاء والسخرية في شعر إبن الرومي، يقول الباحث عبد الكريم البوغبيش، لقد كانت شخريته وهجاؤ، انتقام اجتماعي وقصاصٌ رادعٌ من هولاء الناشزين الذين جسّدَعيوبهم واخلاقهم في شعره.وهومن هذا الطريق يُعبّر عن نقمة محروم وکان يريد أن يعيش عيشة تليق برتبته ومقامه العالي في رأيه، وبالمنزلة التي يري نفسه أحققّ بها من غيره، إلّا أنّه لم يظفر بشئٍ من ذلک، وزاوله الحرمان، لهذا استخدم لسانه في الدفاع عن نفسه لأنّه لايملک غيره. «وبين السخرية الحزينة امرة، والسخرية التي تعکس شعوراًبالکارثة، والسخريةالضاحکة ، ينسحق العالم ويتفتت.فالسخرية تترجم حاجة روحية؛ المجتمع يسحق الشاعر بلا مبالاته وانکاره، فيسحقه الشاعر بأنّ يسخر منه ويحتقره.کما نري خاصةعند ابن الرومي» [12] فهذا المجتمع وبينهم أمراء وقادة، يسخر منه ويعتمد في إيذائه وکان يستهين بشعره وبشخصه، ويحرمه من العطايا، فيتألم إذ يري هودونه ينال العطايا، وهويکاد يبلغ اللقمة، فيسخر من هذا المجتمع الأعمي وأفراده وابن الرومي يصور العاهات لدي الشخص المهجو، خُلقية کانت أوخَلقية ويأتي بها في هجائياته ويسخر منها.وقد خصص قسماً هاماً من ديوانه له.وهوفي الحالتين، شديد الوطأة علي الشخص، يسلبمنه جميع الصفات الحميدة ويعطيه کل ّ المعايبوالرذائل ويسخر منه ويستهزء به، کهذه القصيدة:
يا سيّداً لم يزل فروع
من رأيه تحتها أصول
أ مثلُ عمرٍ يَسُوم مثلي
خسفاً وأيامُه حول
أ مثلُ عمرٍ يُهينُ مثلي
عمداً ولاتنتضي النُّصول؟
يا عمروسالت بک السيول ُ
لأمّک الويل والهبول
وجهک يا عمروفيه طول
وفي وجوه الکلاب طول
فأين منک الحياة قل لي
يا کلبُ والکلبُ لا يقول؟
والکلبُ من شأنه التعدّي
والکلبُ من شأنه الغلولُ [14]
مقابح الکلب فيک طراً
يزولُ عنها ولا تزولُ
وفيه أشياء صالحاتٌ
حماکَها الله والرسولُ
وقد يُحامِ عن المواشي
وماتحامي ولا تصول
وأنت من أهل بيت سوء ٍ
قصتهم قصة تطول
وفاته
توفي ابن الرومي مسموماً ودفن ببغداد عام 283هـ - 896م، قال العقاد "أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سلمان بن وهب، وزير الإمام المعتضد، كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراش، فأطعمه حلوى مسمومة، وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلي أين تذهب؟ فقال: إلي الموضع الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال له: ما طريقي إلي النار.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى